#غزة
سوف يذكر التاريخ كريس ميسينا، الشاب الذي ترك شركة جوجل العالمية بعد ان صمم لها شعار منصة التواصل الاجتماعي الخاص بالشركة 1+ وهو بلا منازع صاحب فكرة الـ # هاشتاج.
احتدمت المعركة الالكترونية منذ بدء العدوان الغاشم على غزة ولكنها في هذه المرة أخذت شكلا مختلفا في الفضاء الالكتروني، الذي تحول الى ساحة معركة حقيقية تجذب الجماهير وتحرك الشعوب ويشارك فيها المحترفون والهواة ، كل حسب نواياه وقدراته وافكاره الشخصية او الجماعية.
ولمن لا يعرف معنى كلمة الهاشتاج وهي بالعربية “وسم” ، فهو كل ما يأتى بعد الرمز # فى التغريدات التى ينشرها مستخدمو التويتر وفي الآونة الاخيرة تمت إضافة نفس الخاصية لموقع الفيسبوك، وهي طريقة لإيجاد رابط بين جميع التغريدات والنصوص المنشورة بواسطة المستخدمين والمتعلقة بموضوع محدد بحيث يسهل العثور على كل ما يتعلق بهذا الموضوع عبر الضغط على هذا الهاشتاج، اي انه اذا ادرجنا وسم # قبل كلمة غزة على سبيل المثال في تغريدة على التويتر او نص في الفيسبوك، فإن الكلمة تتحول الى رابط تفاعلي ينقلنا عند الضغط عليه الى صفحة خاصة فيها كل ما تمت كتابته على الموقع ويحمل في طياته #غزة.
انتبهت جميع الاطراف في الحرب القائمة الى اهمية توظيف الفضاء الالكتروني في حشد الجماهير والتأثير على الرأي العام سواء في المجتمعات المحلية او في الاطار العالمي، وبات من الواضح ان المدرسة الاعلامية القديمة التي تعتمد على راديو الترانزستور والجرائد ومحطات التلفزة ونشرات الاخبار لم تعد هي المحرك الاساسي للشعوب، فقد اصبح كل مواطن بسيط يحمل هاتفه الذكي ليرصد به الخبر ويكتب تعليقه الخاص وينشر الصورة او مقطع الفيديو والهاشتاج الذي يختاره ليصل الى الآلاف وربما الملايين دون ان يقصد تماما ان يكون اعلامي متمرس.
وربما تكون جمهورية مصر العربية والشعب المصري واستخدامه لمواقع التواصل الاجتماعي في الحشد والمناصرة إبان ثورة يناير وبعدها اكبر مثال على قوة هذه الوسيلة الجديدة في الدول غير الديمقراطية، والتي تستخدم وسائل الاعلام التقليدية كوسيلة تحريض وتوجيه لما يريده النظام، وتعكف في الآونة الاخيرة على مراقبة الصفحات الشخصية لأبناء الشعب لتأديبهم حسياً وليس افتراضيا عند الحاجة، ومع ذلك حصد احد الهاشتاجات “الوسوم” المناهضة لترشح الرئيس المصري الجديد 130 مليون مشاركة.
اما هنا، يعمل الشعب الفلسطيني بأسره خلال الحرب القائمة على نشر فضائح الاحتلال اثناء العدوان وننشر الصور ومقاطع الفيديو بشكل يومي وعلى مدار الساعة، وقد ابلت المقاومة الفلسطينية بلاءً حسنا في المعركة الالكترونية حيث أن التراسل بين الفلسطينيين والإسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي يشهد كثيرًا من الهجوم والهجوم المضاد بين الجانبين مع كل تطور جديد من تطورات المعركة على أرض الميدان.
وكانت صحيفة “جارديان” البريطانية قد أشارت إلى أن “الحرب المشتعلة بين حماس وإسرائيل لا تقتصر على الأرض، بل انتقلت أيضًا إلى مواقع التواصل الاجتماعي، فكلا الطرفين لجأ للفيسبوك، والتويتر، واليوتيوب لإظهار حقيقة ما يجري، بحسب وجهة نظر كل طرف”. وأضافت الصحيفة في تقرير لها مؤخرًا أن ” هذه الحرب الإلكترونية قد تكون ليست بجديدة على الطرفين، ولكنها هذه المرة تتم بضراوة غير مسبوقة”.
ولكن وللأسف الكبير فإن المعلومات والاحصاءات تشير إلى أن الكفة تميل لصالح الإسرائيليين في النشاط عبر مواقع التواصل الاجتماعي بالرغم ان اعداد الفلسطينيين في الداخل والشتات والمتعاطفين معنا هي اضعاف مضاعفة من الاسرائيليين ومن حولهم، الا ان النشاط الاسرائيلي اكثر تنظيما وأغلبه مدفوع الأجر.
رصد مكتب رئيس الحكومة الاسرائيلية مبلغ 3 مليون شيكل لما يسمونه الاعلام الالكتروني، حيث وظف مع بداية حربه الشعواء على قطاع غزة المئات من طلبة الجامعات ودفع لهم اجورهم، سواء بطريقة مباشرة او عبر منح دراسية ، وعملت وحدة اعلامية خاصة على تدريب هؤلاء الطلبة وشحنهم بما يلزمهم ليعملوا بورديات على مدار الساعة يطلقون الرسائل التي تفسر وجهة نظرهم ويخوضون في جدالات وحوارات عبر الهاشتاجات بعدد من اللغات ومنها طبعا العربية والانجليزية والروسية والصينية والاسبانية والالمانية والفرنسية وغيرها.
على الصعيد الآخر كان للمقاومة الفلسطينية استراتيجية واضحة هذه المرة وعملت قدر المستطاع على توجيه الرسائل المصورة او المكتوبة سواء للاسرائيليين او للعالم، ولكن في الاطار العام لم تستخدم لغات متعددة ولم يكن هناك توجه حكومي رسمي ولا اي نوع من انواع الدعم، فالجامعات الفلسطينية ومختبراتها مقفلة بسبب العطلة، والقنوات الرسمية للاعلام في وطننا الحبيب تغرق بالبث التقليدي وفقط باللغة العربية.
ليس علينا ان نقنع بعضنا البعض بأن جرائم الاحتلال تفوق التصور، وان نرفع صور المجازر للفضاء الالكتروني ونكتب تعليقاتنا باللغة العربية فقط، علينا أن نفهم لغة العالم الحديث، ربما لا تكون صور الاشلاء هي التي تحرك الضمائر، فلنا 66 عام ننشرها ولم يتحرك ساكناً، ربما حان الوقت ان نستغل جيل التكنولوجيا الصاعد والامكانات الموجودة من اتصال وتواصل لارسال رسائلنا الى العالم بلغته التي يفهمها، نحن أصحاب حق وأبناء قضية عادلة، قمعتنا الانظمة وهيمنت على الاعلام والرأي العام وجاءت اليوم التكنولوجيا لتفتح الأبواب على مصراعيها، أما عن الملايين الثلاثة التي علينا استثمارها فهي أقل من عائدات ضرائب السجائر التي يدخنها الشعب من الحسرة والقهر في يوم واحد.
م. عارف الحسيني
aref.husseini@gmail.com