لماذا لا نثق بالتكنولوجيا ؟
لا اعرف تماما ما السبب الكامن خلف عدم ثقتنا بالتكنولوجيا! حتى الفلسطينيين الذين استخدموها ووثقوا بها حين كانوا خارج فلسطين، غيروا رأيهم داخلها، سألت نفسي هذه السؤال عندما اتصلت لاطلب خدمة تسريع خط النفاذ الـ ADSL ، رد جهاز التسجيل الاوتومتيكي وطلب مني ان اضغط الرقم الملائم للسرعة التي اريدها، وهكذا فعلت! ولكن عدم ثقتي بالنظام التكنولوجي في فلسطين، غير آبها بمعرفتي الدقيقة لآلية عمل النظام وتجاهلي المقصود لامانته ودقته، فقمت لا شعوريا بالبحث عن ارقام هواتف اخرى وبادرت بالاتصال على جميع الارقام المتوفرة لدي باحثا عن انسان وليس آلة ليجيبني على سؤالي، والذي كنت اطرحه على نفسي بإلحاح، لن يهدء لي بال حتى اسمع اجابة سؤالي من فم بشر: هل حصلت على الخدمة ام ان النظام الآلي خدعني؟
وعندما حصلت على الاجابة وكانت ايجابية ضحكت على رعبي من ان تخذلني التكنولوجيا الناشئة في بلدنا الناشئ، وراودني نفس الشعور وحالة عدم الثقة عند شرائي لمنتجات تكنولوجية وخدمات تقنية متنوعة لإتمام تأسيس بيت العلوم والتكنولوجيا والفلسطيني الذي تعمل مؤسسة النيزك على اتمامه وافتتاحه المتوقع في القريب، بقي السؤال يحوم حولي في كل ما اشاهده من تفاصيل مرتبطة باستهلاك التكنولوجيا او انتاجها محليا او شراء الخدمات التقنية من موردين مختلفين، حيث تتكرر نفس القصة دوما فيما يتعلق بالعلاقة المهنية بين بائع التكنولوجيا او مزود الخدمات وبين الزبون، بقي وميض الفكرة يشع بالسؤال المحير:
لماذا لا نثق في فلسطين بالتكنولوجيا؟ وهل علينا اصلا ان نصدق ما يروجه البائعون والمنتفعون؟
ربما لأننا وفي كل مرة نحتاجها فيها في الوقت الحقيقي، تخذلنا بإحدى الطرق، فمن النادر ان تشارك في ندوة او مؤتمر محلي ولا يتعطل جهاز العرض او الحاسوب المحمول قبل دقيقة من بدء النشاط؟ وكم مرة تنتظر دورك في البنك او اي مؤسسة تقدم خدمات للجمهور وحين يأتي دورك ـ يأتي معه صوت الموظف بالبشارة السيئة : الكمبيوتر بشتغلش؟ وكم مرة تصل مكان عملك ولديك عشرات الايميلات التي تنتظرها وعشرات اخرى لترسلها وبسبب موجة رياح قوية او مطر شديد، تتفاجئ ان الانترنت مقطوع وعليك ان تنتظر الفرج؟ وكم مرة تأخرت عن دفع فاتورة النفاذ للانترنت لأن نظام مزود الانترنت الذي تتعاقد معه لا يوجد لديه ترتيب الدفع بالأوامر الثابته مع البنك الذي يدير حسابك، وبعد تأخرك قطعوا عنك الخدمة فهرعت للدفع وبعدها اعادوا وصلك، ومع ذلك لا تتمكن من ارسال الايميل لأن النظام لديهم يحجب عنك منفذ رقم 25 الخاص بالايميل بشكا اوتوماتيكي كعقاب لك عن التأخر بالدفع ، تقضي عدة ساعات تبحث عن الخلل ويحولوا مكالمتك لكل من يمكنه الاجابة وفي كل مرة يضعوا لك الموسيقى على الهاتف وتبقى تنتظر الاجابة حتى يتذكر بالصدفة احد موظفي الخدمة عبر الهاتف ان يعيد فتح المنفذ الذي اغلقوه عن قصد او بالصدفة! وكم مرة تعتمد ارسال رسائل بالبريد الالكتروني لدعوة اشخاص لحدث رسمي، يجيبونك بالايجاب ولا يحضرون ، لأنك لم تتصل لتؤكد الموعد! وكم مرة تعاقدت مع احد المبرمجين لاتمام عمل ما وجاء لك في اليوم الاخير قبل تسليم العمل وقال : والله الجهاز ضرب” وكم مرة وكم مرة وكم مرة!!
هل هذه الاسباب كافية لأن لا نثق بالتكنولوجيا؟
في بلدان وانظمة اخرى فإن التكنولوجيا تسهل حياة البشر، تختصر الوقت والجهد ولكن في بلدنا والذي تسوده ثقافة التشكيك في كل شيء، لا يمكننا التأكد من اتمام اي عمل قبل رؤيته بأعيننا وحتى حينها نبقى متوجسين ان كان قد حصل ام لا، والتذرع الدائم في الاعمال التي ترتبط بالتنفيذ من خلال التكنولوجيا يأتي عادة بإلقاء اللوم على التقنيات نفسها او على من يستخدمها، وليس على من يبيعها ومسؤول عن صيانتها وتشغيلها والذي به تكمن كل المشكلة في رأيي.
اني اعزو الحالة الموصوفة اعلاه الى نقطتين اساسيتين ، الاولى هي الجودة المنخفضة في اداء العمل واختصار المسافات على حساب التقنية، ان اغلب مروجي التكنولوجيا ومزودي الخدمات الذين قابلتهم في السنوات الاخيرة يريدون اتمام جميع الاعمال بسرعة المايكرويف، ان يقبضوا ما طلبوه ويهربوا! يجيبون مكالماتنا الهاتفية حين يكون هناك حساب عالق وندين لهم بالمال، وحين يقبضون الدفعة الاخيرة يتبخرون من حولنا، في كل مكان آخر يحترم قيمة المهنية في العمل يهتمون بالخدمة التي تقدم بعد البيع اكثر من البيع نفسه، وعندنا ينهون العلاقة مع المشتري من طرف واحد بعد البيع مباشرة، والزبون “الشاطر” هو من لا يدفع والبائع “الشاطر” هو من ينجح بالتحصيل.
علاقة غريبة يسمى فيها الزبون المحترم “اهبل” والبائع المخادع “شاطر”.
والنقطة الثانية هي شح المعرفة الحقيقية والتقنية العالية في حل المشاكل التكنولوجية، نتعلم من المنتج للتكنولوجيا كيف نشغّل الاجهزة ولا نتعلم تماما كيف تعمل او كيف نصلحها، لأن ذلك مكلفا نسبيا! وفي بعض الاحيان تكمن معرفة بعض مزودي الخدمات بامتلاكهم رقم هاتف المورد الاسرائيلي، وحقيقة عملهم هي نقل الصناديق المغلقة بين الحواجز، وحين تأتي مشكلة تقنية تحتاج الى حل، فإما ان يعيدوا تشغيل الجهاز وحين لا يعمل يتهمون كل من يمكن اتهامه، شبكة الكهرباء، سوء الاستخدام وجهل الزبون، او حتى حالة الطقس! وحين يقتنعون بأن الجهاز او الخدمة التي تم تقديمها هي المعطوبة، يأخذونه ويختفون بحجة ارساله للتصليح، وبما ان شراء الاجهزة من الموردين الاسرائيليين دون الكفالة هو ارخص، واربح، بالتالي فإن التهرب من الزبون هو الحل الوحيد، فيعيدون لك جهازك التالف “والك الله”، “هذه الشطارة!”.
م. عارف الحسيني
aref.husseini@gmail.com